بقلم / صفاء القاضي
الاحترام قاعدة ثابتة في المعاملات أيا كان نوعها وهو حق وواجب، وأوجب ما تحترمه هي نفسك، فعندما تحترم نفسك تترفع بها عن كل عيب ونقص وتسمو بها عن الدنايا.. بل إن نفسك تستحق منك احتراماً لأن الاحترام هو منبع الثقة ومصدر الفضائل، وكلما منحت نفسك احتراماً أجبرتك هي على احترام الغير..
وقد قالوا لنا قديماً الاحترام للكبير والعطف للصغير، لكن في حقيقة الأمر نحن بحاجة لاحترام متبادل بين صغير وكبير.. وبحاجة لعطف أيضا متبادل، وتتنوع الأشياء التي يجب احترامها ما بين شخوص وأماكن وبين معتقدات وأفكار وبين أيام وأحوال
الشخوص الواجب احترامها
فالشخوص يحترم منها الكبير في العمر والمقام والمكانة الدينية أو الاجتماعية، مثل الوالدان والمعلم والمربي ويحترم القادة ورؤساء العمل وطبعا نحترم الشخصيات الراحلة كالأنبياء والصحابة والمناضلين وأعلام التاريخ من علماء أو أدباء، ونحترم رجال الدين والعلم ونحترم كل ذي فضل..
وبالتدرج فإن الاحترام يوهب للإنسانية جمعاء فكل روح خلقها الله عز وجل تستحق احترامها فإن لم يكن أهل لاحترامه فإن نفسك أهل لتقديم الاحترام.
الأماكن الواجب احترامها
والأماكن تحترم كالأوطان والمقدسات ودور العبادة وأماكن تلقي العلم من مدارس وجامعات، وأماكن أثرية والتي تمثل تاريخ الوطن، وتحترم أيضا أماكن نرفع لها القبعة احتراماً مثل أماكن عمل الخير ودور المسنين ودور الأيتام وجمعيات تطوعية خدمية تسعى لخدمة الفقراء والضعفاء والمرضى، وهناك أيضاً مساجد بها مقامات الصالحين وآل البيت فإن الاحترام هنا يصل إلى حد التمجيد، والمكان يحترم باتباع قوانينه والمحافظة على نظافته قولاً وفعلاً، الأماكن هي أجزاء من حياة الإنسان تحمل ذكرياتنا وتحمل بيوتنا وتحوي أوطاننا التي نعشقها.
احترام المعتقدات والأفكار
المعتقدات جميعها تحترم حتى ولو لم نؤمن بها فيكفينا أنها تخص الغير ليجعلنا ذلك مفروضاً علينا احترامها، فالاحترام بين البشر عقيدة راسخة ترتقي بالإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية وترتقي بالمجتمعات وتعطيها طابعاً خاصاً وسمة حسنة يُذكر بها المجتمع الذي يسوده الاحترام .
والمجتمعات الراقية تتميز باحترامها لأفكار الآخر ومعتقداته وكل ما يهم الآخر ويُجلّه فأنت مجبر على احترامه بشكل تبادلي، واحترام الأفكار والأعراف والموروثات كلها واجب حتمي على كل إنسان
والمجتمع الراقي يحترم كل الأشياء مكان أو إنسان أو حيوان، معتقدات أو أفكار وكأن الاحترام يشمل الحياة فهو منبع الأخلاقيات الكريمة .
ما هي مظاهر الاحترام ؟
هذا الاحترام يظهر جلياً على شكل بعض المظاهر التي تؤكد وتترجم أنك تكن احتراما لها، منها أن تستمع إلى الناس بشكل منصت ولا تقاطع كلامهم وأن تشعر بمشاعر الآخر ولا تفرض عليه رؤيتك وأن تشارك في الأحزان والأفراح وتلبي الدعوة، وأن تتحدث عن الآخر بلباقة وصدق أن لا تذكر عيوبه أمام الناس، وأن تحترم آراء الآخر ولا تمارس عليه فرض سيطرتك، الكلام الجميل وحفظ الألقاب دون تكلف زائد والاعتراف بالجميل والفضل و تقبل الآخر بكل معتقداته واختلافاته وعدم محاولة التقليل من شأنه، واحترام مقدساته فالقاعدة تقول الاختلاف لا يفسد للود قضية فهنا لا نلزمك على تقبل أفكار الآخر وإنما أنت مجبر على احترامه والتعامل هو مرآة الاحترام التي يتجلى فيها واضحاً وتلك التعاملات قد نكتسبها من البيت أو الدين أو المجتمع فإن كان التعامل إيجابياً وراقياً انعكس ذلك على المجتمع ايجاباً ورقياً .
رؤية الإمام الشافعي في الاحترام
ما أعمق احترام الامام الشافعي لنفسه ولغيره حين قال يعلمنا تلك الأصول ويضع أيدينا وقلوبنا عليها فقال:
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه
وإن خليته كمدا يموت
يتجلى في الأبيات احترام الذات وعدم السقوط إلى مستويات أقل من خلال ردٍ علي سفيه أو اشتباك بجاهل، نصائح الإمام الشافعي كثيرة جداً في أبياته الفخيمة التي تجري على الألسنة ونتمنى أن تجري على أخلاق الناس تطبيقاً وفعلاً، فهو يعطي نصائحه الراقية التي تلخص المعاملات بين الناس ومن خلال أبيات تنطق جمالاً وفخامة وتقطر علما ومنفعة .
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى
ودينك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايبا
فدعها وقل ياعين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع بالتي هي أحسن
الاحترام قاعدة المحبة وثبات كل العلاقات قائمة عليه فإن هجرنا الاحترام فقدنا الإنسانية.. الاحترام هو حارس الفضيلة وحلية الأخلاق الرفيعة .